Alternative text missing

رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء، سمحـا روتمن، يدير جلسة للجنة في الكنيست، 21 تموز 2025. تصوير: يوناتان زيندل/فلاش90

إسرائيل تكتم أفواهَ المعارضة الداخلية

التعديل المقترح على قانون الجمعيات يستخدم فرض الضرائب على التبرعات الأجنبية، بهدف إلحاق ضرر بالغ بمنظمات المجتمع المدني التي تعمل على التغيير الاجتماعي.

"كمن أتت من المجتمع المدني — أنا من مؤسسات منظمة ما زالت تعمل، 'نساء ضد العنف' — لم أكن لأنجح، ولم نكن لننجح في طرح قضية العنف وتقديم الخدمات التي قدمناها للنساء العربيات، لولا الدعم الذي جاء من الخارج… لأن الدولة ببساطة لم تكن مستعدة لتحمل مسؤوليتها الأساسية في حماية النساء، وهي لا تزال كذلك، بل إنها تتدهور أكثر في هذا المجال." هذا ما قالته عايدة توما-سليمان، عضو الكنيست عن حزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، في نقاش محتدم في لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست بتاريخ 5 مايو 2025أيار من هذا العام، وهو نقاش ركّز على مشروع قانون خطير مرّ بالقراءة التمهيدية في الكنيست في فبراير 2025، ولا يزال يُناقَش منذ ذلك الحين في اللجنة التي تقوم بإعداده للقراءة الأولى (من ثلاث قراءات). تحت ذريعة حماية الديمقراطية والسيادة، تهدف المبادرة لتقييد — وفي بعض الحالات منع تماما — عمل منظمات المجتمع المدني في إسرائيل التي تكافح ضد الاحتلال ومن أجل حقوق الإنسان والديمقراطية. إذا مرّ التعديل المقترح على قانون الجمعيات في ثلاث قراءات في الكنيست، فسيكون ذلك خطوة مهمة إضافية في طريق القضاء على الطابع الديمقراطي لإسرائيل وتحويلها إلى دولة سلطوية.

تنص الصيغة الحالية على مطالبة الجمعيات التي تتلقى تبرعات أجنبية تتجاوز مبلغًا معينًا (لم يُحدّد بعد) بأن ترفق بتقريرها المالي تعهدًا خطيًّا بالامتناع عن الانخراط في سلسلة من الأنشطة لمدة ثلاث سنوات. عمومًا، تشمل هذا الأنشطة ما يحظره القانون الإسرائيلي على بعض موظفي الدولة، والأنشطة المحظورة على جماعات الضغط، أو تلك التي تحتاج إلى إذن من لجنة معينة في الكنيست، إضافةً إلى ما يعرفه القانون الإسرائيلي بالأنشطة الانتخابية. وفقًا للتعديل المقترح، ستُضطر الجمعيات والمنظمات التي ترفض التوقيع على هذا التعهد أو تنتهكه إلى دفع ضريبة تتراوح بين % و46%. كما أن وقوع انتهاكين متتاليين لالتزامات الجمعية القانونية، سيُعدُّ سببًا يتيح إيقاف نشاطها. في سياق قانون الجمعيات، يمكن أن يكون مصدر التبرعات من "كيان دولة أجنبية" التبرعات التي مصدرها دولة أجنبية، أو اتحادًا، أو مجموعة من الدول الأجنبية، كالاتحاد الأوروبي أو هيئات الأمم المتحدة. بالتالي، تشمل كيانات الدول الأجنبية السفارات العاملة في إسرائيل، والمؤسسات الكنسية عندما تأتي أموالها من دولها الأصلية، إضافة إلى منظمات أخرى ممولة من قبل دول ما. وفيما يتعلق بألمانيا، ينطبق المصطلح أيضًا على المؤسسات السياسية الألمانية العاملة في إسرائيل، بما في ذلك مؤسسة "روزا لوكسمبورغ".

من المهم التأكيد على أن هذه القيود والشروط فرض ضرائب مرتفعة على التبرعات الأجنبية التي تتجاوز مبلغا معينا — لا تنطبق على الجمعيات والمنظمات التي يأتي معظم أو كل ميزانياتها من القطاع الخاص، أو من دولة إسرائيل، أو من مؤسسات جماهيرية في إسرائيل. هذه الفروق مهمة لأن المنظمات التقدمية ومنظمات اليسار هي التي تحصل على تمويل من كيانات دولية أجنبية، بينما تمويل منظمات اليمين من الخارج يأتي بالأساس من القطاع الخاص. تتضح هذه النية أكثر عندما يذكر مؤيدو القانون مرارا منظمات مثل بتسيلم و كسر الصمت (شوﭬـريم شتيكاه).

التعديل المقترح سيحدّ بشكل كبير من عمل العديد من المنظمات العاملة على تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، والمواطنة المتساوية للجميع، ودعم الفئات الضعيفة، والدفاع عن حقوق الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، إضافة إلى المنظمات التي تكافح ضد الاحتلال وتسعى لبناء جسور السلام. وعند النظر عن كثب إلى قائمة الأنشطة التي يحظرها التعديل المقترح، تتضح شدة الضرر الذي ستلحقه هذه القيود بالمؤسسات والجمعيات

منع المنظمات من الانخراط في أنشطة معينة، مثل الأحزاب السياسية أو الدعاية الانتخابية، أو تقديم فوائد لأعضاء الكنيست، أو تضليلهم أو الضغط عليهم أو تهديدهم قد يبدو أمرًا معقولًا، بل مرغوبًا. لكن أين يجب أن يُرسم الخط الفاصل؟ على سبيل المثال؛ ما الفرق بين النقد المشروع، والإضرار بكرامة الكنيست أو أحد أعضائه؟ أو بين المناظرات المشروعة قبل الانتخابات والتأثير غير القانوني على الانتخابات؟ إذا كان النقاش ممكنًا حول بعض هذه الأنشطة، فإن المحظورات الأخرى في التعديل تشكل انتهاكًا واضحًا للحريات الديمقراطية. تشمل هذه المحظورات حظر تنظيم تجمع عام ذي طبيعة سياسية، أو رئاسته أو التحدث فيه، أو انتقاد سياسات الحكومة أو الوزارات علنًا. كما يمكن أن تشمل الدعوات إلى مقاطعة إسرائيل، أو التعاون مع منظمة أو فرد مصنّف إرهابيًّا، أو الأنشطة التي "تنزع الشرعية" عن دولة إسرائيل أو تنفي إسرائيل كدولة يهودية.

بالتالي، يقيّد التعديل المقترح بشكل كبير — بل ويمنع تماما — معظم أنشطة المناصرة والنقد التي تقع في صميم عمل هذه المنظمات. لذلك، يمكن الافتراض بأن معدل ضريبة يتراوح بين 23% و46% سيجعل أغلب الدول الديمقراطية ترفض الاستمرار في تمويل أنشطة في إسرائيل، الأمر الذي يعني قطع أحد أقدم وأهم مصادر الدخل لهذه المنظمات — برامج تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية التي كانت تدار بتمويل من حلفاء إسرائيل ومن مؤسسات دعم عامة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وهيئات الأمم المتحدة.

يدّعي المدافعون عن التعديل المقترح أن الدعم المالي المباشر للمنظمات في اسرائيل من قِبل كيانات دولية أجنبية يشكل تأثيرًا أجنبيًا غير مباشر على دولة إسرائيل، ويقوض سيادتها واستقلالها. بهذا، هم يتعاملون مع المنظمات والجمعيات كمبعوثين يعملون على أجندة ومصالح الدول المانحة الأجنبية، وليس ككيانات محلية مستقلة لها أجندات خاصة بها.

تشير نظرة فاحصة إلى التعديل المقترح وإلى تصريحات مؤيديه، وتكشف أن حماية الديمقراطية قد لا تكون الدافع الأساسي لهذا التعديل في القانون. وإذا كانت الغاية هي منع التدخل الأجنبي، فلماذا يركّز التعديل فقط على تمويل يأتي من دول ومنظمات، ولا يطال التمويل من القطاع الخاص؟ وإن كان مؤيدو التعديل محقّين في أن الدول المانحة تمتلك قنوات دبلوماسية يمكنها من خلالها ممارسة نفوذ، فإن الصحيح أيضًا أن تبرعات هذه الدول تخضع لرقابة وتنظيم صارمين، على عكس تبرعات من القطاع الخاص. وبطبيعة الحال، تسعى جهات القطاع الخاص هي أيضًا إلى التأثير السياسي عبر التبرعات، وتستخدم هذا التأثير لدفع مواقفها ومصالحها. ومن الأمثلة على ذلك، منتدى كوهيلت، الذي يعتمد معظم تمويله على تبرعات القطاع الخاص القادمة من الخارج، ويدفع أجندة يمينية محافظة من خلال أوراق موقف وتوصيات سياساتية.

من المثير للاهتمام أن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية لم يتمكن من العثور على تجارب موازية لحظر التمويل في دول ديمقراطية أخرى، باستثناء في هنغاريا وبولندا. تطبق هاتان الدولتان تدابير لتقييد أنشطة منظمات المجتمع المدني الناقدة للحكم. مع ذلك، فإن هذه الإجراءات أقل تطرفًا بكثير من التعديل المقترح، كما أنها لا تميز بين التبرعات الأجنبية الحكومية والخاصة. في هنغاريا، على سبيل المثال، يتوجب على منظمات المجتمع المدني التي تعتمد على تمويل أجنبي بالإعلان عن ذلك على موقعها الإلكتروني ومنصاتها الأخرى. وفي بولندا، تقيد الإجراءات في الغالب الدعم المالي الحكومي، والذي يتم تقديمه في الغالب للمنظمات التي تعزز القيم المسيحية أو "الوطنية".

من أجل فهم المعنى الأعمق للتعديل المقترح وفهم آثاره الخطيرة، نحتاج إلى أن نأخذ السياق الأوسع في الاعتبار.

المحاولات التشريعية لاستهداف المنظمات التي تتلقى أكثر من نصف تمويلها من كيانات أجنبية ليست بجديدة. تم حذف المقترحات السابقة لفرض ضرائب على التبرعات الأجنبية، ويرجع ذلك، في الغالب، إلى الضغوط الدولية التي مورِست على الحكومة الإسرائيلية. زاد التشريع الذي وافق عليه الكنيست بين العامين 2008 و2016 تدريجيًا متطلبات الإبلاغ عن هذه التبرعات بذريعة الشفافية – من تقديم تقارير محددة ومتكررة إلى مسجّل الجمعيات، وصولًا إلى إلزام الجمعيات بالإعلان صراحة عن دعمها الأجنبي في منشوراتها وعند الظهور أمام الجمهور.

محاولة تشريعية أخرى تهدف إلى مهاجمة من ينتقد سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلة هي تجريم المساعدة للمحكمة الجنائية الدولية. تم تمرير مشروع قانون مقترح بعنوان "حماية المسؤولين الإسرائيليين من إجراءات المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد دولة إسرائيل" في بالقراءة التمهيدية في الكنيست في شباط 2025، ويجري الآن إعداده للقراءة الأولى. في الوقت الحالي، تعريف مشروع القانون المفصل إلى حد ما لما يشكل هذه المساعدة واسع جدًا، وقد يتغير أثناء عملية التشريع، كما أنّه يدعو حاليًا إلى عقوبات تصل إلى خمس سنوات بالسجن، أو بالسجن مدى الحياة في حال تقديم معلومات سرية.

يسعى مشروع القانون إلى استحالة نشر أي مواد عن أي فرد أو منظمة في إسرائيل التي يمكن استخدامها ضد المسؤولين الإسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية. على سبيل المثال، يمكن اعتبار جميع أعمال بتسيلم تقريبًا، كالإبلاغ عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الفلسطيني، والبحث والنشر عنها، جريمة. كما أوضح ممثل منظمة "كسر الصمت" في شباط، يمكن أن تشمل هذه "المساعدة" شهادات الجنود التي ينشرونها على الموقع الإلكتروني للمنظمة، حيث يمكن، نظريًا، الاستشهاد بهذه الشهادات في القضايا المرفوعة ضد قادة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.

وفقًا للبروفيسور إيتمار مان، الخبير في القانون الدولي، يمكن أن ينطبق مشروع القانون أيضًا على الأبحاث الأكاديميّة في حال أثبتت نتائجها مسؤولية إسرائيل عن جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو جريمة الإبادة الجماعية، ووصلت النتائج إلى المحكمة الجنائية الدولية فإن ذلك يُعدّ جريمة جنائية يعاقب عليها بالسجن. ويوضح البروفيسور مان أن مثل هذا التشريع قد يردع طلاب الدراسات العليا عن إجراء أبحاث في هذه المجالات. في الواقع، إذا أصبح مشروع القانون قانونًا، حتى لو كان نطاق المسودة النهائية أقل اتساعًا، فسيكون له أثر واضح.

هذا النوع من التشريعات هو جانب من جوانب حملة أوسع، ليس فقط لإضعاف المنظمات المؤيدة لحقوق الإنسان والديمقراطية والمناهضة للاحتلال ماليًا، ولكن أيضًا لنزع الشرعية عنها وتقييدها. سياسيون يمينيون، ومنظمات مجتمع مدني، وصحفيون، وغيرهم من الجهات الفاعلة أطلقوا حملات تشهير واسعة، ومارسوا ضغوطًا على الأماكن التي كان من المفترض أن تستضيف مناسبات تقدمية بهدف إلغائها. عضو الكنيست سيمحا روطمان، العضو في حزب الصهيونية الدينية ورئيس لجنة الدستور والقانون والعدالة في الكنيست، قال في إشارة منه إلى الصيغة الأصلية للتعديل التي ركزت على فرض الضرائب على تبرعات من كيانات دولية أجنبية، قال إن الاقتراح يعالج الأعراض وليس المرض. وفقًا لروطمان، يكمن المرض يكمن في النشاط ذاته لمنظمات المجتمع المدني مثل "بتسيلم". استخدم روطمان صلاحياته كرئيس اللجنة لطرح مسودته الخاصة لتعديل القانون، التي تسعى إلى تقييد أنشطة هذه المنظمات.

هذه الجهود المكثفة لإسكات النقد في إسرائيل يتم توجيهها إلى المنظمات والنشطاء الإسرائيليين فقط، وإنما أيضًا إلى المجموعات الدولية. في شباط 2025، وافق الكنيست على توسيع المعايير التي تجيز منع غير المواطنين من الدخول إلى إسرائيل أو الإقامة فيها. بموجب هذه المعايير، يمكن منع دخول الأفراد أو المنظمات الذين – وفقًا للسلطات الإسرائيلية – ينكرون أحداث 7 أكتوبر أو المحرقة، أو أعربوا عن دعمهم لمقاضاة أفراد الجيش الإسرائيلي أمام المحاكم الدولية. يستند هذا التشريع إلى تعديل قانون من عام 2017 الذي منع دخول الأفراد أو المنظمات الذين يدعون إلى مقاطعة إسرائيل. كما ذكرت رسالة مفتوحة لتسع منظمات مجتمع مدني فلسطينية في إسرائيل، تستخدم إسرائيل مثل هذه القيود منذ سنوات لمنع دخول المدافعين عن حقوق الإنسان، والمهنيين القانونيين، ونشطاء في المجتمع المدني الذين تنتقد سياساتها.

في كانون الأول 2024، قررت الحكومة الإسرائيلية إنشاء فريق عابر للوزارات مسؤول عن تسجيل المنظمات الدولية التي تعمل بشكل أساسي على مساعدة الفلسطينيين، ليقدم توصية بما إذا كان ينبغي السماح لموظفيها الأجانب بالبقاء في إسرائيل. يمنح القرار المسؤولين سلطة واسعة لرفض تسجيل المنظمات الدولية باستخدام مجموعة مبادئ توجيهية بعيدة الأثر. من بين المعايير: إذا كانت منظمة أو أحد موظفيها قد دعوا إلى مقاطعة إسرائيل، أو أنكروا وجودها "كدولة يهودية وديمقراطية"، أو أعربوا عن دعمهم لإجراءات قانونية ضد مواطنين إسرائيليين في المحاكم الدولية بسبب أفعال نفذوها أثناء خدمتهم في الجيش أو أي جهاز أمن.

أعربت منظمات الإغاثة عن قلقها بشكلٍ خاص من بند يطلب منها تقديم أسماء موظفيها الفلسطينيين، وتفاصيل الاتصال بهم، وأرقام هوياتهم، لأن تقديم هذه المعلومات قد يعرضهم للخطر. بالإضافة إلى ذلك، وكجزء من مهامها، تدافع المنظمات الدولية عن حقوق المدنيين وحمايتهم بموجب القانون الإنساني الدولي. يمكن استخدام التوجيهات الجديدة – والتي تدعي الحكومة الإسرائيلية إنها ليست القائمة النهائية – لمعاقبة المنتقدين صراحة لسلوك إسرائيل في غزة.

في بيانٍ صحفي نُشر في أيار 2025، ووقعت عليه 55 منظمة تعمل في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وُصفت إجراءات التسجيل الإسرائيلية الجديدة بأنها تشكل تهديدًا خطيرًا لمشاريع إنسانية وللقانون الدولي. تدعي المنظمات في بيانها إن هذه القواعد الجديدة هي جزء من حملة أوسع وطويلة الأمد لقمع الفضاء الإنساني والمدني، عن طريق الإجراءات التي تقيد الوصول الى المساعدات الإنسانية، وتعرض سلامة الموظفين للخطر، وتقوض المبادئ الأساسية للعمل الإنساني.

كمّ الأفواه كجزء من الانقلاب السياسي

تمرر دولة إسرائيل هذه الإجراءات بعد شن هجوم إبادة جماعية على غزة، وتقدّمها في مساعي التطهير العرقي، وضم الضفة الغربية من خلال العمليات العسكرية وعنف المستوطنين، وتنفيذ تغييرات جوهرية في السيطرة الهيكلية والإجرائية على الضفة الغربية. في هذا السياق، ينبغي للمرء إدراك الآثار الخطيرة للتعديل المقترح.

بينما تنفذ الحكومة الإسرائيلية أجندتها اليمينية المتطرفة والمدمرة في الأراضي المحتلة، وتسعى إلى قمع أي انتقاد أو مقاومة، أظهر معظم السياسيين المعارضين للحكومة وجمهورهم الأوسع، حتّى مؤخرًا، إما دعمهم لهذه المساعي، أو ببساطة لا مبالاتهم. يرجع ذلك جزئيًا، إن لم يكن في الغالب، إلى التدهور الاستراتيجي طويل الأمد للجهات الفاعلة الليبرالية والتقدمية، وتزامن توسع السلطة اليمينية. لقد تغيرت النخب في إسرائيل، وقد أسهم في ذلك بشكلٍ نشطٍ السياسيون، ومنظمات المجتمع المدني، ومعاهد البحوث، والجهات الفاعلة الأخرى. على مدى العقدين الماضيين تقريبًا، تولى تدريجيًا دعاة أجندة يمينية مناصب عليا في المؤسسات الرئيسية، مثل الجيش، والأوساط الأكاديمية، والنظام القانوني، ووسائل الإعلام، مما شكل الرأي العام والخطاب الإسرائيلي بشكلٍ كبيرٍ. الانقلاب القضائي الذي تدفع به الحكومة الحالية، والذي يقوض نظام الضوابط والتوازنات، ويقود إسرائيل نحو نظام استبدادي، يمكن اعتباره تتويجًا لهذه العملية.

قدمت العديد من منظمات المجتمع المدني البارزة أوراق موقف تعبر عن معارضتها لمشروع القانون، بما في ذلك "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، و"جمعية حقوق المواطن في إسرائيل"، و"جمعية مجتمع الميم في إسرائيل"، و"إخوة في السلاح"، وغيرها. كما أعربت "لجنة المواطنين للتحقيق في أحداث 7 أكتوبر" عن معارضتها للتعديل، موضحة أن أرشيفها موجود بفضل دعم السفارة الألمانية في إسرائيل. في وقت كتابة هذا التقرير، تبذل جهات وحركات قصارى جهدها لحشد دعم ضد التعديل المقترح. يبدو أن هذه الجهود تؤتي ثمارها، حيث تحظى العملية التشريعية باهتمام وسائل الإعلام، كما أن أعضاء كنيست من المعارضة عبروا عن معارضتهم للقانون علنًا، ليس فقط من "الجبهة"، ولكن أيضًا من أحزاب المركز مثل "يش عتيد"، و"الديمقراطيون" وقائمة "الوحدة الوطنية".

دون التقليل من أهمية هذه الجهود والتطورات المحلية، تظهر التجربة السابقة أن ما نجح في منع المحاولات السابقة لفرض إجراءات تضر بالمنظمات الناقدة والتقدمية كان ممارسة الضغط الدولي على إسرائيل، وتحديدًا الضغط الأمريكي، وربما الألماني أيضًا. مع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، يبدو من غير المرجح أن تعبر الإدارة الأميركية عن معارضتها للتعديل بشكلٍ كبير. يبقى أن نرى ما سيكون عليه موقف الاتحاد الأوروبي وألمانيا.

قد يبدو التشريع المقترح قضية ثانوية مقارنةً بالأزمة الإنسانية والسياسية في غزة، والتطورات الخطيرة في الضفة الغربية، واستمرار تنفيذ الانقلاب القضائي في إسرائيل. لكن، يستهدف هذا التشريع، من مجمل الأمور، الجمعيات التي تكرس جهودها لمطالبة إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها الأخلاقية والقانونية، وتمارس الضغط على المجتمع الدولي لمحاسبة إسرائيل. لذلك، ينبغي للمجتمع الدولي أن يعارض بشدة هذه المبادرة الضارة والمعادية للديمقراطية.

ترجمة للعربيّة: منى أبوبكر

اشترك في نشرتنا البريدية