Alternative text missing

النائب أيمن عودة خلال المظاهرة العربية‑اليهودية ضد الحرب والاحتلال، التي نظّمتها شراكة السلام في حيفا، حزيران 2025 (تصوير: شراكة السلام).

"توسيع الشراكة العربية اليهودية هو أولوية المرحلة"

مقابلة مع عضو الكنيست ورئيس قائمة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة أيمن عودة عقب محاولة إبعاده من الكنيست


من محاولة لإقصائك من الكنيست، مرورًا بتحريض مباشر من داخل قاعة البرلمان وإلى اعتداء عنيف في الشارع. خلال نقاش لجنة الكنيست بشأن اقصاءك، قيلت عبارات خطيرة ومباشرة قد تُفهم على أنها تحريض على العنف، بل وحتى على سحب الشرعية عنك كممثل منتخب. عبارات مثل: "في دولة أخرى كنت ستعدم بالرصاص، وأثناء توجهك للمشاركة في مظاهرة في نس تسيونا، اعترض طريقك وحاصرك حشد من المتظاهرين وهم يهتفون "الموت للعرب"، وحطموا نوافذ السيارة وأنتم بداخلها.

محاولة اقصائك تعلقت بتغريدة في فترة صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، عندما قلت إنك "سعيد بتحرر المختطفين والأسرى"، وأيضا بخطابك في مظاهرة بحيفا: "غزة انتصرت وستنتصر". هذه العبارات استُخدمت لاتهامك بدعم الإرهاب. كيف ترد؟ وهل تشعر أن كلامك حُرّف أو أُخرج من سياقه؟ أقف بثقة وراء كل كلمة قلتها، ووراء السياق الذي وردت فيه. قلت حينها: "أنا سعيد من أجل تحرر المختطَفين والأسرى، ومن هنا يجب تحرير الشعبين من نير الاحتلال، لأننا جميعًا وُلدنا أحرارًا".

الاحتلال يشبه السجن، ولا بد من تحرير السجين والسجّان معًا بعد هدم السجن. كما قال الشاعر والأديب محمد الماغوط: "الفرق بين السجّان والسجين، أن السجّان يحلم بالسجن، أما السجين فيحلم بالحرية". نحن نطمح إلى هدم هذا السجن، وتحرير السجين والسجّان.

فيما يخص المختطَفين والأسرى، من الواضح أن المؤسسة الحاكمة لا تعترف بوجود مناضل فلسطيني واحد، لأنها ببساطة لا تعترف أصلًا بوجود احتلال، ولا تؤمن بوجود شعب فلسطيني. ولذلك، لا يمكنها أن ترى في الفلسطينيين مناضلين من أجل الحرية.

وطبعًا أنا سعيد من أجل عودة المختطَفين، فهم أناس أبرياء، لهم عائلات وأمهات ينتظرنهم. أسعدني احتضان الأم الإسرائيلية لابنها العائد، كما أسعدني احتضان الأم الفلسطينية لابنها. أما قولي: "يجب تحرير الشعبين من نير الاحتلال" — فلأنه لا يمكن تحرير أحد طالما استمر هذا النظام القمعي. الاحتلال يشبه السجن، ولا بد من تحرير السجين والسجّان معًا بعد هدم السجن. كما قال الشاعر والأديب محمد الماغوط: "الفرق بين السجّان والسجين، أن السجّان يحلم بالسجن، أما السجين فيحلم بالحرية". نحن نطمح إلى هدم هذا السجن، وتحرير السجين والسجّان. وفي خضم الحرب التي قتل فيها من شعبي عشرات الآلاف، أقول: "لأننا جميعًا وُلدنا أحرارًا". أليس هذا جوهر الأممية والإنسانية؟ فهل من الممكن أن أتراجع قيد أُنمُلة عن هذا الموقف؟ أبدًا. أما فيما يخص خطابي في مظاهرة حيفا وجملة "غزة ستنتصر" — فأنا أريد لغزة أن تنتصر، تمامًا كما أريد لحيفا، والضفة، والقدس الشرقية، وتل أبيب أن تنتصر. بالروح نفسها التي أريد فيها للشعبَين أن ينتصرا على الاحتلال، وأن تقوم دولة فلسطينية عاصمتها القدس إلى جانب إسرائيل، لنحقق سلامًا حقيقيًا.

ولكن فقط العنصريّ هو من يرى غزة لونًا واحدًا ووحيدًا.

أنا منحاز لغزة، منحاز لأطفال غزة الذين، في هذه اللحظة، يموتون من الجوع، ومنحاز لنساء غزة، ولأهل غزة. فقط العنصري من يرى غزة بلون واحد ووحيد. أما أنا، فأنا منحاز لأطفال غزة الذين يموتون من الجوع، منحاز لنسائها، ولأهلها، وأتمنى أن تنتصر على الاحتلال المجرم — انتصارًا في سياق إنسانيّ، في سياق سعي حقيقي للسلام.

بعد فشل التصويت صرحت: " المحاولة الفاشية ضدي فشلت. هذه المرة لم تنتصر الفاشية – ولن نسمح لها أن تنتصر". هل ترى أن ما حدث هو انتصار شخصي أم معركة رمزية على التمثيل السياسي العربي والوجود الفلسطيني في الداخل؟

 منذ بداية هذه القضية، أكّدت أن استهدافي لم يكن شخصيًا فقط، بل هو محاولة لضرب حرية التعبير وحرية الانتماء لشعبنا الفلسطيني. المؤسسة الحاكمة، منذ عام 1948 وحتى اليوم، تسعى إلى تشكيل شخصية "العربي الإسرائيلي" — شخصية بلا انتماء لقضية شعبه الفلسطيني. "العربي الإسرائيلي" مشوّه عربيا ومشوّه إسرائيليًا. وهذه هي الشخصية تسعى المؤسسة إلى ترسيخها. لذلك،  إن أكثر ما يستفز المؤسسة هو أن نتحدث بصراحة عن شعبنا الفلسطيني. لم يحدث يومًا أن سمعنا مذيعًا إسرائيليًا يسأل عضو كنيست يهودي: لماذا تتحدث عن القضية الفلسطينية؟ هذا السؤال يُوجَّه فقط لأعضاء الكنيست العرب يريدون أن نحصر أنفسنا في قضايا السلطات المحلية، الشوارع، والملفات الداخلية، بينما يُسمَح للنواب اليهود أن يتحدثوا بحرية عن غزة والضفة. أما نحن، فلا يُسمَح لنا حتى بالحديث عن الضفة، رغم أن ميزانياتنا تُنهَب وتُحوَّل إلى المستوطنات في الضفة، إلى الجيش، وإلى الأمن. هذا التناقض يكشف أن المعركة ليست مع فرد، بل مع مجتمع كامل وهويته السياسية والوطنية.

أما فيما يخص حرية التعبير، فكنت واضحًا: إذا تراجعتُ، فإنني أُضرب حق زملائي في التعبير، وأفتح الباب أمام القمع الفاشي للأصوات الحرة. إذا تراجعت، فأنا أضرب أيضًا حق الطالبة الجامعي، وحق العامل العربي وحق كل فرد في مجتمعنا في أن يعبر عن رأيه بحرية وكرامة.

كرّرت هذا الموقف عدة مرات في مداولات الكنيست، وقلت: إن تمسّكي بموقفي هو دفاعًا وحفاظًا على مكاسب تحققت بنضال طويل، امتد لعشرات السنين، من أجل توسيع مساحة حرية التعبير. ولهذا، تعاملنا مع القضية منذ البداية باعتبارها قضية جماعية، تمسّنا جميعًا.

اذا بقينا للحظة بفكرة كونها قضية جمعية, واصرارك كان للدفاع عن الجماعة. وبعد الفشل في محاولة الاقصاء من الكنيسيت. ما تبعيات كل ما جرى للمواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل وما هي الرسالة التي توجهها إلى المواطنين العرب بشأن مشاركتهم السياسية بعد هذه الأحداث وفي ظل هذه الأجواء؟ رسالتي لأبناء شعبي واضحة: الأشهر القادمة، وحتى موعد الانتخابات البرلمانية القادمة، ستكون الأصعب منذ عامين. اليمين الفاشي حقق إنجازات عسكرية على مستوى الإقليم — في لبنان، سوريا، وإيران — وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وجوّع السكان في غزة، لكنه لم ينجح في تحقيق أي مكسب جيو-استراتيجي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي تُعتبَر مركزية في أيديولوجيته.

يجب تقوية جبهتنا الداخلية، بالمعنى المجتمعي: رفع الوعي السياسي تجاه ما ينتظرنا. ثانيا بناء شراكة واسعة مع القوى اليهودية الديمقراطية. توسيع الشراكة العربية-اليهودية ضرورة قصوى اليوم.

ستنتهي الحرب، وسيبقى أكثر من سبعة ملايين فلسطيني بين النهر والبحر. أهم إنجاز لليسار الصهيوني في العقود الأخيرة — اتفاقية أوسلو — يُنتقَد لأنه لم يحقق لا أمنًا ولا سلامًا. أما اليمين، فاعتبر السابع من أكتوبر والحرب التي تلته "فرصته التاريخية". وقد استخدم في هذه الحرب شعاراته الأيديولوجية الكبرى، مثل: "ما لا يُحسم بالقوة، يُحسم بمزيد من القوة"، و"دعوا الجيش ينتصر".

وأقول لأبناء شعبي:

أولًا، يجب تقوية جبهتنا الداخلية، بالمعنى المجتمعي: رفع الوعي السياسي تجاه ما ينتظرنا. ثانيا بناء شراكة واسعة مع القوى اليهودية الديمقراطية. توسيع الشراكة العربية-اليهودية ضرورة قصوى اليوم. وأكبر دليل هو أنه لولا هذه الشراكة، لكانوا نجحوا في إقصائي من الكنيست. ثالثًا، التصويت الحاسم. عند وجود الفاشية في الحكم، يجب تسخير كل الجهود لإسقاطها. كل شيء يجب أن يُكرّس لمنع استمرارها. وبعد إسقاطها، نواصل نضالنا، لكن البداية يجب أن تكون: اقتلاع الفاشية من الحكم.

بالرغم من كل الأحداث الداخلية ومحاولة اقصائك وبالرغم من حدوث ذلك على خلفية حرب إبادة في قطاع غزة وتصعيد في الضفة. لم تتنازل عم موقفك وايمانك وما وزلت تدعي لأوسع شراكة عربية يهودية لمواجهة الاحتلال والفاشية. كيف يمكن ترجمة وتطوير هذه الشراكة لعمل فعلي؟ وكيف تربط بين النضال من أجل الديمقراطية داخل إسرائيل والنضال لإنهاء الاحتلال؟

إذا عدنا إلى تراثنا وتاريخنا العربي، وإلى التاريخ عمومًا، سأذكّرك بعدد من القصص. منها قصة عنترة بن شداد، حين توجّه إليه والده — الذي لم يعترف به كابن شرعي، واعتُبر عبدًا في نظر القوم — وطلب منه أن يساعدهم في القتال ضد قبيلة من الأعداء. فقال له عنترة: "إن العبد لا يُحسن الكرّ، وإنما يُحسن الحلب والصرّ." أي أن العبد الذي لا يُعترف به لا يُطلب منه أن يقاتل كفارس، بل أن يقوم بالأعمال الدونية فقط. فقال له والده إن هذا ليس وقت الحديث عن الحرية، فرفض عنترة القتال.ثم عاد إليه لاحقًا وقال له: "كرّ وأنت حرّ." أي: قاتل، فأنت حر.

وفي الولايات المتحدة، في القرن التاسع عشر، خلال الحرب بين الشمال والجنوب، كان أبراهام لينكولن يقود الحرب ضد الجنوب.شعر بأنه بحاجة إلى السود، فتوجّه إلى فريدريك دوغلاس، زعيم السود، وطلب دعمه في الحرب. فسأله دوغلاس: "وماذا عن حريتنا؟" فأجابه لينكولن: "انتظر قليلًا، دعنا نكمل الحرب الكبرى ضد الجنوب، ثم نتحدث في موضوع حريتكم." فردّ عليه دوغلاس: "لا — نريد حريتنا الآن." فحرّر لينكولن العبيد.

لينكولن كانت لديه مواقف عنصرية في السابق، لكنه أصبح فجأة رمزًا لتحرير العبيد. الأمر ذاته تكرّر مع رابين مع عرفات، ديغول مع أحمد بن بلة، توني بلير مع جيري آدامز، وديك ليرك مع مانديلا. هؤلاء لم يتحركوا من منطلقات أممية، بل حين شعروا أن الخسارة أكبر من الربح. هذه المعادلة — بين الليبرالي المزيّف وصاحب الموقف الجذري — تتكرر عبر التاريخ، خصوصًا عندما تقف الفاشية في المقابل. الليبرالي المزيّف يتعامل دائمًا مع أصحاب المواقف الجذرية كمجرد جنود احتياط في معركته ضد الفاشية — دون ملامح، دون هوية، دون قضية. يريدوننا فقط جنود احتياط. إذا انطلقنا من هذه المقدمة إلى الرؤية العامة: أتلقى العديد من الدعوات لإلقاء الخطابات في هذه الايام، وسأقول في كل مرة إن أصل الانقلاب القضائي هو الاحتلال. كل من يروّج للانقلاب القضائي من المستوطنين. هدفهم السيطرة على المحكمة العليا، من أجل ضمّ مناطق (C) ومصادرة أراضٍ فلسطينية خاصة. الانقلاب القضائي جاء ليخدم مشروع الاحتلال. لذلك، علينا أولًا تعميق الوعي بهذه الحقيقة. وثانيًا، أصبح واضحًا أن أغلبية الشارع اليهودي تميل نحو اليمين، وأن المركز واليسار لا يمكن أن ينتصرا من دون العرب.

سنتعامل مع هذا الواقع كما فعل عنترة، وكما فعل فريدريك دوغلاس، وكما فعل كل من قال له القامعون عبر التاريخ: "ادعمني، وانتظر لتحصل على حريتك." هذا سيكون سجالًا بيننا وبينهم.

نحن نعتمد بالأساس على أنفسنا. لأننا نؤمن أن العالم لا يحترم الشكوى ولا البكاء — المناضل في وطنه هو من يفرض احترامه على العالم، ومن بعد ذلك يتحرك العالم.

وبالتوازي مع هذا السجال، نحن نعي جيدًا ما جرى في ألمانيا في أواخر العشرينيات، حين تواطأ الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وقتل روزا لوكسمبورغ، وأطلق النار على مظاهرات الأول من أيار، وقتل الشيوعيين. رفض الشيوعيون بعد ذلك التعاون معه، فكانت النتيجة أن الفاشية وصلت إلى الحكم، وارتكبت أكبر جريمة في تاريخ البشرية.

قد نصل في مرحلة ما إلى أن نقول: نكتفي بصدّ الفاشية، ثم نعود لمعركتنا مع الليبراليين المزيّفين. لكن لا ينبغي أن نُضعف موقفنا منذ البداية. يجب أن نحاول أن نصل إلى أقصى مدى ممكن من التقدّم مع الليبراليين المزيّفين — وأعني بذلك المركز واليسار الإسرائيلي — لنحقق ما نريد. وهذا هو فن السياسة: أن يُبنى على المبادئ، وأن يحمل رؤية.

كيف تقرأ ردود الفعل الدولية، خصوصًا من قِبل اليسار العالمي، على الحملة ضدك وعلى فشل التصويت؟ أولًا، بدون أدنى شك، ما يحدث في إسرائيل له خصوصية، لكن له أيضًا ملامح عالمية. أما بالنسبة للملامح العالمية، فمن الواضح أن هناك خروجًا عن استخلاصات الحرب العالمية الثانية. هذا الخروج يتجلّى في شخصيات مثل ترامب، بولسونارو، جونسون في بريطانيا، أوربان في هنغاريا، أردوغان في تركيا، بوتين في روسيا، مودي في الهند، ونتنياهو في إسرائيل. هذه مجموعة قرّرت الخروج عن استخلاصات الحرب العالمية الثانية، سواء من حيث الديمقراطية أو من حيث احترام التوازنات القانونية. ومن الواضح أن هذا نهج عالمي قائم اليوم.

أما الخصوصية الإسرائيلية، فهي مرتبطة أساسًا بموضوع الاحتلال، الذي يشكّل المغذّي الأساسي. وأنا لا أقول إن الاحتلال هو "أصل الشرور" — فهذه عبارة من اليسار الإسرائيلي — إذ هناك شرور سبقت 1967، لكن لا شك أن الاحتلال، منذ بدايته، أصبح هو المغذي الأساسي. هو من يضرب الهامش الديمقراطي، وهو العائق الأساسي أمام تحسّن العلاقات بين العرب واليهود، وهو من يضرب الاقتصاد، ويؤثر على مكانة المرأة.

نحن نعتمد بالأساس على أنفسنا. لأننا نؤمن أن العالم لا يحترم الشكوى ولا البكاء — المناضل في وطنه هو من يفرض احترامه على العالم، ومن بعد ذلك يتحرك العالم. العالم لم يلتفت إلى الفلسطينيين من عام 1948 حتى 1965، ولم يلتفت إلى السود قبل مانديلا، ولا قبل مارتن لوثر كينغ. الأساس لكل هذه الدوائر العالمية هو النضال المحلي، واحترام الذات محليًا — ثم يتفاعل العالم. وهذا ما حدث لا شك أن هناك حراكًا شعبيًا غير مسبوق يناصر القضية الفلسطينية. ومن المهم جدًا تطوير العلاقات الدولية مع هذه الحراكات التي تدعم نضالنا ووجودنا.

تمت المقابلة في 22.7.2025

ضيف/ة المقابلة

أيمن عودة هو عضو في الكنيست ورئيس قائمة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.

مؤلف/ة

دنيا عباس هي مديرة مشاريع في مؤسسة روزا لوكسمبورغ.

اشترك في نشرتنا البريدية